الفكر الإسلامي

رسالة المرأة في ظلال السعادة

بقلم:  الشيخ محمد المهدي محمود علي

 

 

 

        اختار الله سبحانه وتعالى أن تكون المرأة سكناً للرجل، ومكملة لسعادته، ومساعدة له على أداء عمله. وآداب الإسلام بصفة عامة يظهر منها بوضوح وجلاء أن للمرأة رسالة هامة في ثلاثة ميادين من أخطر العوامل في حياة المجتمع، واستقراره، وسعادته، وتتجلى هذه الميادين الهامة في النواحي الآتية:

     1- رسالة المرأة بالنسبة لزوجها.

     2- رسالة المرأة بالنسبة لبيتها.

     3- رسالة المرأة بالنسبة لطفلها.

     فأما رسالة المرأة بالنسبة لزوجها فإن كتاب الله سبحانه وتعالى - الذي هو نور الله لأهل الدنيا- عبَّر عن ذلك أجمل تعبير وأكمله راسماً الحياة السعيدة الهانئة فقال تبارك وتعالى:﴿وَمِنْ ءٰايَـٰـتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَـٰـتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (سورة الروم/22) فالله جل شأنه جعل المرأة سكناً وأمناً وطمأنينة للرجل.

     وإن موقف السيدة خديجة من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أعلى مثل للمحبة الزوجية المثمرة. أعلى مثل للمودة والرحمة التي هي من صنع الله الحكيم. على أن سيرة أمهات المؤمنين وكرام المؤمنات في صدر الإسلام صورةٌ مثاليةٌ لما ينبغي أن تكون عليه الزوجة المؤمنة التقيَّة من بر لزوجها وعطف عليه ومحبة له، وإزاء ذلك أوصى الإسلام بالمرأة كثيراً في الآداب الإسلامية عامة،فالرسول –صلى الله عليه وسلم- يقول: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».

وأما رسالة المرأة في البيت:

     فالمنزل هو عش السعادة،والمرأة هي التي ترعاه بعطفها وحنانها. تصيِّره جنةً وارفةً الظلال طيبة الثمار، دانية القطاف. تجعله جنَّة من جنَّات الدنيا.

     إن المنزل مهد راحة زوجها وعش أطفالها، فيه قوام الحياة من مأكل وملبس ومأوى، وإن اليد الحانية التي تمتد إلى كل تلك النواحي في رفق ومحبة، وطهر وإخلاص، وصفاء وعطف، فتعدُّ من المأكل ما لذَّ وطاب، ومن الملبس ما حسن وكمل، تجعله مهد راحة وأنس للنفس. وبذلك ترفرف السعادة على الأسرة وتصبح الأسرة نواة لمجتمع سعيد يؤدي كل فرد فيه واجبه على أتمِّ ما يكون.

وأما رسالة المرأة مع أطفالها:

     فأطفال اليوم هم أسباب المستقبل هم رجال الغد، وإن السيِّدة الفاضلة الحكيمة العاقلة المهذبة الرشيدة هي التي ترعى أولادها تُنَشِئُهم على الفضيلة، ومكارم الأخلاق، وتربيهم على الصفات الحسنة الجميلة، تغرس فيهم معاني البطولة بما تقص عليهم من قصص الأنبياء والرسل، وأهل الحكمة الإسلامية، وعظماء التاريخ وأبطال الإسلام، إن السيِّدة التي تجعل من المنزل داراً للحكمة، ومدرسةً للتفقه في كتاب الله، وهدي الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، وسير السلف الصالح المبارك، إنما تجعل من منزلها مركز إشعاعٍ يوجِّه الخير للمجتمع بما يخرجه من أفراد ممتازين علماً وخلقاً، ويصبح المنزل متعاوناً مع المدرسة. فتعاليم المدرسة متممِّة لبناء المنزل، وتربية المنزل مكمِّلة لرسالة المدرسة وأمام هذه الرسالة في هاتيك الميادين الهامة.

     أمام رسالة المرأة المقدسة أمام رسالة المرأة الخطيرة، أمام رسالة المرأة التي تتناسب مع طبيعتها وتكوينها، مع عاطفتها وغريزتها مع ميولها ووجدانها مع أنوثتها وأمومتها مع فطرتها التي فطرها الله عليها. أمام هذه الرسالة العظيمة التي عبر عنها الشاعر بقوله:

الأم مــدرســـة إذا أعددتها

أعددت شعباً طيب الأعراق

     أمام هذه الرسالة يتضح جليّاً أن أيّ انحراف للمرأة عن أداء رسالتها وأيّ شاغل يعوقها عن عملها الطبيعي الذي يتفق مع فطرتها وطبيعتها وتكوينها هو جناية كبرى:

     أ - جناية على الحياة الزوجية.

     ب- جناية على البيت.

     ج- جناية على الطفل.

     د- جناية كبرى على الأسرة والمجتمع.

     فتفقد الحياة الزوجية سعادتها، ويحرم البيت الهدوءَ والاستقرارَ، ويتربى الطفل في أحضان الخدم، وتتفرق الأسرة وتحل الكوارث الهدَّامة بالمجتمع المفكَّك غيرالمترابط.

     وما نراه اليوم من تمرد المرأة عن أداء رسالتها التي فطرها الله عليها والتي تتناسب مع طبيعتها وتكوينها إنما هو تقليد أعمى للمدنية الغربية.

     إن المرأة التي تتنكر لرسالتها وتحاول أن تهرب من سياج عِزِّها ومجدها وكرامتها، تحاول أن تفر إلى تقاليد الغرب التي جعلت من المرأة سلعة للجمال الرخيص المدنس.

     لقد أصبحت المرأة في بعض بلاد الكفار وفي إغرائها وإغوائها التردي إلى مهاوي الردى والفساد. ما أسعد المرأةَ في ظلال الإسلام وما أسعد الرجلَ بالمرأة الصالحة التقيَّة النقيَّة الطاهرة العفيفة، وما أسعد المجتمعَ بالنساء المؤمنات الفاضلات اللاتي يوجِّهن النشء إلى الآداب الإسلامية المباركة، ويربين الجيل على الفضيلة، ومكارم الأخلاق؛ لأنَّهنَّ مصدر خير، ومنبع فضل ومشرق نور وهداية، والإسلام المبارك. الإسلام العظيم غني بالمثل العليا للسيدات المسلمات اللاتي تَرَبَيْن على مأدبة القرآن ونشأن في ظلاله وفي مقدمتهن أم المؤمنين الأولى السيدة خديجة التي حباها الله عقلاً راجحًا وحكمةً بالغةً فسعدت برسول الله وسعد بها الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم. حفظ الله المسلمين والمسلمات من التردي في مهاوي الهلاك، وظلمات الضلال، وكتب الله لأمة الإسلام عودةً كريمةً إلى كتاب الله الكريم مصدر النور، والخير، والهدى والفلاح، والسعادة التامَّة في الدنيا والآخرة.

     والله الهادي إلى سواء السبيل وصلى الله وسلم وبارك على من اصطفاه الله رحمةً للعالمين سيدنا محمد النبي الكريم وعلى آله وصحبه وسلم.

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رمضان - شوال 1436 هـ = يونيو – أغسطس 2015م ، العدد : 9-10 ، السنة : 39